الثلاثاء، 26 مارس 2013

المواطنة الصالحة

المواطنة الصالحة ليست كلمات تردد، وإنما إخلاص وتفاعل وشفافية. وان النفوس جبلت على حب ديارها، وهذا الأمر الفطري جاءت الشريعة للعناية به ، والمحافظة عليه . وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن عن حبه لوطنه في مكة وهو يغادرها إلى المدينة فيقول: "والله انك لأحب البقاع إلى الله وأحب البقاع إلي ولولا أن قومك أخرجوني منك ما خرجت. ويقال : " لحب الأوطان عمرت البلدان " . ومن الحكم " حب الوطن من الإيمان " . ونعمتان مجحودتان : الأمن في الأوطان ، والصحة في الأبدان .



       إن من حق أوطاننا علينا أن نكون فاعلين لا معطلين وان نكون لتحقيق مصالحها سعاة ولدرء المفاسد عنها دعاة ولأمنها حماة ولوحدتها رعاة. إن من أبشع الخيانات لله وولاة الأمر والمسلمين إن تنطلق دعاوى الإصلاح ، لمجرد مطامع شخصية أو مادية أو مصالح ذاتية أو غرض أو عرض أو لهوى أو لمجرد انتماءات فكرية أو حزبية تتعارض مع المواطنة الصالحة وحب الوطن والتضحية من أجله .



       ويجب علينا أن نكون حذرين من الحملات الإعلامية الداعية إلى تفريق الصفوف والتعصب الأعمى ، وخاصة ضد بلدنا الأردن لأنه البلد الوحيد الذي يحسده الآخرون على ما يتمتع به من ديمقراطية وأمان لذا يجب على كل واحد منا أن يقدس تراب هذا الوطن ، ويحترم الديمقراطية التي يتمتع بها ،



           وأخيرا لنعلم أن المواطنة الصالحة تتحلى بالايجابية والبناء والتفاعل وإعمار الأوطان سيرا في ركاب الإصلاح . 

مقالات فقه الواقع دعوة للإنصاف


حين نلقي نظرة سريعة على الجهود المبذولة لإحياء واقع الأمة نجد إنتاجاً ثراً متنوعاً، فهذا يعنى بالعلم ونشره، قد أخذ على عاتقة إزالة غشاوة الجهل عن جسد الأمة.
والآخر سلك سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فسخر وقته لإنكار المنكرات المتفشية في واقع الأمة، وأعطى لذلك نفيس وقته وعصارة جهده.
الثالث: قد تألم لواقع من استهواهم الشيطان وساروا في طريق الانحراف فرأى أن أفضل ما يعنى به وخير ما يقدمه استنقاذ هؤلاء من براثن الفساد والانحراف.
والرابع قد رق قلبه للأكباد الجائعة، والبطون الخاوية هنا هناك، فأصبح ينفق من خالص ما يملك، ويجمع النفقات من فلان وفلان.
والخامس: قد استهوته حياة الجهاد ودع الدنيا وعاش هناك ينتقل من أرض إلى أرض مجاهداً مقاتلاً في سبيل الله.
والسادس: رأى أن هذا الدين دين الناس جميعاً فسخر طاقته لدعوة غير المسلمين.
والسابع: قد سخر قلمه لخوض المعارك الفكرية دفاعا عن الإسلام، ومصاولة لأعدائه، والدخلاء من المتحدثين زورا باسمه.
وآخرهم رأى أن عدة الأمة في شبابها وأن تربيتهم وإعدادهم من خير ما يقدم للأمة فصار هذا شأنه.
إنها كما ترى - أخي الكريم - جهود خيرة مطلوبة لا تستغني عنها الأمة، وهي كذلك لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد، أو جماعة واحدة، وهي مهما اختلفت مراتبها وأولويتها مطلوبة في هذه المرحلة.
وحين نتجه للواقع العملي بعد ذلك نرى التخصص قد حوله البعض إلى تنافر، فتراه يحشد الأدلة، ويسوق الحجج لبيان أن هذا الطريق الذي اختاره هو خير ما ينبغي عمله، وأن ما سواه لا يعدو أن يكون اشتغالاً بالدون، وانصرافاً عن المنهج السديد، ويغدو صاحبنا ينظر نظرة احتقار إلى من سد غير ثغرة، واعتنى بغير بابه، ويتحسر على جهود هؤلاء المساكين الذين يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه. ولكن حين ندرك:
أولاً: سوء واقع الأمة، والهوة الساحقة بينه وبينما أراده الله لها. ولم تكن هذه الهوة نتيجة قفزة واحدة بل قد تضافر عليها جهود جبارة مغرضة، ناهيك عن المدى الزمني لهذه الجهود المتضافرة لإفساد الأمة.
ثانياً: اتساع رقعة الانحراف في واقع الأمة لتشمل كافة الجوانب العقدية، والفكرية، والسلوكية.. فمن تحدث عن الانحراف العقدي، أو عن انحراف المفاهيم والتصورات، أو عن الانحراف السلوكي أو عن الخلل في الجوانب العبادية، أو عن انتشار الجهل وندرة العلم فسوف يجد في جانب واحد فقط مما يتحدث فيهما يثري حديثه، ويستهلك وقته وقلمه.
ثالثاً: أمر آخر يرتبط بأدوات التغيير، وهم البشر؛ فلقد خلق الله الناس معادن، ومواهب وطاقات،فما يصلح لأمر لايصلح له آخر، ومن سد ثغرا قد لا يسده غيره.
قال الإمام مالك رحمه الله: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد؛ فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير".
رابعاً: وهب أن هذا الفرد أو هذه الجماعة أصبحت تملك قدرات خارقة خيالية، وتجيد كل الجوانب من تصحيح العقيدة، ونشر العلم، واستنقاذ المنحرفين، وتربية النشء، ودعوة المرأة، والجهاد... إلى آخر هذه القائمة هب جدلا أن هذا الفرد أو تلك الجماعة أطاقت الأمر كله فهل يعني أنها سدت الثغرة وقامت بالأمانة ؟!.
خامساً: لابد للجيش من رجل في الساقة، ورجل في الميمنة، ورجل في الميسرة ورجل في الحراسة،ورجل يعد الطعام، بل ورجل يخلف أهل من سار للجهاد، وهي منازل متفاوتة، لكن حين نحتكم إلى المنطق نفسه، والنظرة إياها، فسيعيب من كان في الساقة على من كان في الحراسة، ومن كان في الميمنة سينتقد من كان يعد الطعام، وأما صاحب الميسرة فسينعى على من خلف الغزاة في أهلهم، كأنه لم يسمع قوله صلى الله عليه وسلم: "من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا".
فهلا نظرة منصفة، رؤية واقعية، تضع الأمر في نصابة، فيسد كل ثغرة ويلزم مكانه؟!. ومع ذلك يحترم جهود الآخرين، ويشعر أن الجميع يسعى لهدف واحد، وأن ما فيه غيره ليس بدون ما هو فيه.


 

السبت، 23 مارس 2013

اجتماع اللجنة التوجيهية الوطنية للإنصاف في الأجور لبحث آخر اعمالها


amal--39_634975869306669660.jpgديرتنا نيوز - عقدت اللجنة التوجيهية الوطنية للانصاف في الأجور اجتماعها الدوري الخامس امس في وزارة العمل برئاسة أمين عام وزارة العمل حمادة ابو نجمة والامينه العامة للجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة اسمى خضر لبحث آخر المستجدات التي تم التوصل اليها في هذا الشأن.
وركز أمين عام وزارة العمل حمادة ابو نجمة على أهمية استمرارية التعاون المشترك بين كافة الأطراف وخاصة فيما يتعلق بانصاف الاجور بين العاملين من الذكور والاناث وسد الفجوة بينهم، مركزاً على دور الحكومة في التطرق لكافة ما يتعلق بشؤون المرأة وذلك للمحافظة على حقوقها ومتابعة كافة القضايا التي تخص المرأة.
واستعرضت الامينه العامة للجنة الوطنية الاردنية لشؤون المرأة اسمى خضر اهم الانجازات التي حققتها اللجنة التوجيهية الوطنية للانصاف في الأجور والتي تشمل مراجعة قانونية لرسم السياسات، ودراسة معمقة في مجال التعليم الخاص علما بان كافة مخرجات اللجنة سيتم إطلاقها رسميا خلال الاشهر القليلة المقبلة.
من جهة اخرى قدمت منسقة المشروع في منظمة العمل الدولية ريم اصلان عرضاً تناولت فيه اهم البنود التي توصلت اليها اللجنة التوجيهية الوطنية للانصاف في الاجر بكافة لجانها وخطة الإتصال وكسب التأييد المزمع تنفيذ نشاطاتها مطلع الشهر المقبل.العرب اليوم

الجمعة، 22 مارس 2013

المرأة والأمازيغية في انتظار المناصفة والإنصاف

المرأة والأمازيغية في انتظار المناصفة والإنصافلم تذهب نضالات المرأة من أجل المساواة والاعتراف بحقوقها سدى، ولم يتم الزج بمطالب الحركة الأمازيغية في لغة رسمية في مهب الريح. الدستور الجديد، جعل من الاعتراف بحقوق النساء والارتقاء باللغة الأمازيغية إلى درجة لغة رسمية من أولى الأولويات، لكنها ظلت بدورها رهينة قوانين تنظيمية تنتظر الانتهاء من إعدادها

فبالنسبة للغة الأمازيغية، فبالرغم من النقاشات الحادة أحيانا التي خلقتها بين عدد من الأحزاب السياسية، وبين أحزاب وفعاليات جمعوية أمازيغية، تمكنت الأمازيغية من أخذ موقعها في الوثيقة الدستورية كلغة رسمية تقف جنبا إلى جنب مع اللغة العربية، وبهذه الدسترة، تكون الدولة قد استجابت إلى المطلب الأساس للحركات الأمازيغية، التي مافتئت تطالب بدسترة هذا المكون الثقافي، الذي يعد جزءا من الهوية المغربية، في إطار التعددية الثفافية، وبالتالي شكل التكريس الدستوري للأمازيغية اعترافا رسميا للدولة  بأحد أهم الروافد المكونة للهوية الوطنية، وفتح المجال أمام إرساء آليات الحماية القانونية للتنوع الثقافي، الذي يصنع لحمة هوية مغربية متجذرة في الذات ومنفتحة على الآخر.

لكن الاعتراف الدستوري وحده لا يكفي، في ظل تأخر صدور القانون التنظيمي، الذي سيضع مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيفيات إدماجها في مجال التعليم، وفي مجالات الحياة العامة ذات الأولوية، وذلك لكي تتمكن من القيام مستقبلا بوظيفتها، بصفتها لغة رسمية.

لذلك لا يزال المغاربة مرتابين. تعيين حكومة عبد الإله ابن كيران وخطابها الإصلاحي لا يكفي في نظر الكثيرين منهم، لذلك ما فتئت الجمعيات والفعاليات تطالب بالإسراع بإخراج القانون التنظيمي للأمازيغية إلى حيز الوجود، وكان ذلك أحد أهم دوافع التظاهر في مسيرتي «تاوادا» بالرباط والدار البيضاء، بهدف توجيه إنذار للحكومة الجديدة، للإسراع بتنزيل مضامين الدستور الجديد فيما يخص الأمازيغية إلى حيز الوجود دون التفريط في المكتسبات في الإعلام والتعليم.أجرأة الترسيم في نظرهم تبتدئ بإجراءات عملية، أهمها كتابة علامات الطرق وأسماء المدن والأماكن بالأمازيغية وبحرف «تيفيناغ» وكتابة أسماء الإدارات والمؤسسات العمومية بالأمازيغية وبحرف «تيفيناغ»، ناهيك عن تفعيل رفع الحيف عن تسجيل الأسماء الأمازيغية في الحالة المدنية.

وما ينطبق على اللغة الأمازيغية التي تنتظر صدور قانونها التنظيمي من أجل الشروع في التفعيل، ينطبق بدوره على أهم مكتسب جاء به الدستور الجديد لصالح المرأة، والذي يعتبر هو الآخر اعترافا رسميا من الدولة للحركة النسائية بنضالاتها من أجل إقرار المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والحريات، وهو مبدأ المناصفة الذي نصت عليه المادة 19 من الدستور، ولتحقيق هذه الغاية أشارت الوثيقة الدستورية إلى إحداث هيئة للمناصفة ومحاربة كل أشكال التمييز بين الرجال والنساء.

بعد غضبتهن من تراجع تمثيليتهن داخل الفريق الحكومي، صعدت الجمعيات النسائية من لهجتها وكثفت تحركاتها، خاصة بعد بيان أصدرته 19 جمعية نسائية تحدثت فيه عما أسمته «التراجع الخطير عن مكتسبات سابقة فيما يتعلق بتمثيلية المرأة على مستوى تشكيلة الحكومة»، وعن «الخرق الواضح لروح الدستور وأهدافه ولأهم المبادئ المؤطرة له، وهي عدم التمييز والمساواة والمناصفة، ولالتزامات المغرب الدولية بهذا الصدد»، وهو التصعيد الذي توالى بعد إخراج قانون التعيين في الوظائف العمومية.

الجمعيات الـ19 حملت «مسؤولية هذا التراجع الخطير، الذي مس أحد الحقوق الإنسانية الأساسية للنساء، لأحزاب الأغلبية المشكلة للحكومة»، ونبهت «المؤسسات الدستورية إلى مسؤوليتها في الحرص على احترام مقتضيات الدستور فيما يتعلق بالمساواة والمناصفة، وحملت الحكومة مسؤولية أجرأة مضمون الفصل 19، بما يضمن المواطنة الكاملة للنساء دون تمييز، والعمل فعليا على تحقيق المناصفة في كافة المناصب ومواقع المسؤولية، وتفعيل المساواة في القوانين والسياسات العمومية».

وبين التكريس الدستوري لمبدأ المناصفة ودسترة الأمازيغية وبين الشروع في تفعيل هذا المقتضيات الدستورية، يبقى انتظار الحركتين النسائية والأمازيغية معلقا، بالنسبة للأولى على إحداث هيئة المناصفة، والثانية على صدور قانون تنظيمي يبين ويشرح مراحل تنزيل الأمازيغية في الحياة العامة.

المواطنة في ظل المرجعية الإسلامية


هل المواطنة لا بد أن تكون علمانية؟!‏ وهل تحقُّقُها يستلزم التخلي عن المرجعية الإسلامية في القانون والتشريع؟
المواطنةإن المواطنة مفاعلة -أي تفاعل- بين الإنسان المواطن والوطن الذي ينتمي إليه ويعيش فيه‏,‏ وهي علاقة تفاعل‏؛ لأنها ترتِّب للطرفين وعليهما العديد من الحقوق والواجبات‏؛ فلا بدَّ لقيام المواطنة أن يكون انتماء المواطن وولاؤه كاملين للوطن‏، يحترم هويته ويؤمنُ بها وينتمي إليها ويدافع عنها بكل ما في عناصر هذه الهويَّة من ثوابت اللغة والتاريخ والقِيَم والآداب العامَّة‏,‏ والأرض التي تمثِّل وعاءَ الهوية والمواطنين‏,‏ وولاء المواطن لوطنه يستلزم البراء من أعداء هذا الوطن طالما استمرَّ هذا العداء‏.‏
وكما أن للوطن هذه الحقوق -التي هي واجبات وفرائض- على المواطن‏,‏ فإن لهذا المواطن على وطنه ومجتمعه وشعبه وأمته حقوقًا‏ كذلك، من أهمها المساواة في تكافؤ الفرص‏,‏ وانتفاء التمييز في الحقوق السياسيَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة بسبب اللون أو الطبقة‏ أو الاعتقاد‏,‏ مع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يجعلُ الأمَّة جسدًا واحدًا,‏ والشعب كيانًا مترابطًا‏,‏ إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر أعضاء الجسد الواحد بالتكافل والتضامن والتساند والإنقاذ‏.‏
وإذا كان التطور الحضاري الغربي لم يعرف المواطنة وحقوقها إلا بعد الثورة الفرنسيَّة في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي؛ بسبب التمييز على أساس الدين بين الكاثوليك والبروتستانت‏,‏ وعلى أساس العِرْق بسبب الحروب القوميَّة‏,‏ وعلى أساس الجنس بسبب التمييز ضد النساء‏,‏ وعلى أساس اللون في التمييز ضد الملوَّنين‏؛ فإن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات قد اقترنتْ بظهور الإسلام‏,‏ وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى في المدينة المنورة سنة واحد هجرية (‏622‏م‏) على عهد رسول الله  وتحت قيادتِه‏.
فالإنسان -في الرؤية الإسلاميَّة- هو مطلق الإنسان‏,‏ والتكريم الإلهي هو لجميع بني آدم‏ {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ[الإسراء: ‏70]. والخطاب القرآني موجَّه أساسًا إلى عموم الناس‏,‏ ومعايير التفاضل بين الناس هي التقوى المفتوحة أبوابها أمام الجميع {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[الحجرات: ‏13]‏. بل قد جعل الإسلام الآخر الديني جزءًا من الذات‏,‏ وذلك عندما أعلنَ أن دين الله على امتداد تاريخ النبوات والرسالات هو دين واحد‏,‏ وأن التنوُّع في الشرائع الدينيَّة بين أمم الرسالات إنما هو تنوُّع في إطار وحدةِ هذا الدين {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً[المائدة: 48‏].
ولقد وضعت الدولة الإسلاميَّة فلسفة المواطنة هذه في الممارسة والتطبيق‏,‏ وقننتها في المواثيق والعهود الدستوريَّة منذ اللحظة الأولى لقيام هذه الدولة في السنة الأولى للهجرة‏؛ ففي أوَّل دستور لهذه الدولة تأسَّست الأمَّة على التعدديَّة الدينية‏,‏ وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعدِّدين في الدين والمتحدين في الأمَّة والمواطنة‏,‏ فنصُّ هذا الدستور -صحيفة دولة المدينة- على أن اليهود أمة مع المؤمنين‏,‏ لليهود دينهم وللمسلمين دينهم‏,‏ وأن لهم النصر والأسوة مع البر من أهل هذه الصحيفة‏,‏ ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين‏..‏ على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم‏,‏ وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة‏,‏ وأن بينهم النصح والنصيحة والبرّ دون الإثم. هكذا تأسست المواطنة في ظلِّ المرجعية الإسلامية منذ اللحظة الأولى‏.‏

الانصاف و المصالحة,,, المغرب نموذجا


في سابقة هي الأولى من نوعها، أنهت ’’هيئة الإنصاف والمصالحة’’ التي شكلها العاهل المغربي قبل عامين (7 يناير 2004)، أعمالها بإصدار تقرير شامل عن تحقيقاتها فيما شهده المغرب من انتهاكات لحقوق الإنسان خلال الفترة التي أعقبت الاستقلال وحتى مختتم القرن المنصرم، وقد بحثت اللجنة في آلاف الوثائق والحالات والشهادات، متتبعة الحقيقة والمسؤولية عن هذه الانتهاكات بدءا بملف ’’مجهولي المصير’’ مرورا بملفات ’’الاعتقال التعسفي’’ و’’التعذيب وسؤ المعاملة’’ وانتهاء بحالات القتل وإطلاق النار في الحوادث الجماعية.
وخلصت الهيئة إلى صياغة جملة توصيات تتعلق بـ’’جبر الأضرار وإنصاف الضحايا’’، بعضها يشتمل على التعويض المادي والتأهيل الصحي للضحايا، وبعضها الآخر بـ’’جبر الضرر على النطاق الاجتماعي’’، والأهم أن الهيئة خرجت بإستراتيجية عامة لمنع تكرار ما حدث، وفي هذا السياق يمكن التوقف أمام استراتيجيات تفصيلية ثلاث اعتمدتها الهيئة وأوصت بها، وهي:
’’دعم التأصيل الدستوري لحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا، وذلك عبر ترسيخ مبادئ سمو القانون الدولي على القانون الوطني وقرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة.
’’إقرار وتطبيق إستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب.
’’إقرار جملة من الإصلاحات في مجال الأمن والعدالة والتشريع والسياسة الجنائية لتوطيد دولة القانون لا مجال في هذه العجالة لاستعراض أوسع لتقرير الهيئة، فالتقرير بوثائقه وشهاداته وآلاف الصفحات المرفقة به موجود على الموقع الالكتروني:www.ier.ma وأنصح المهتمين بالإصلاح وحقوق الإنسان والرأي العام بالاطلاع عليه، لكنني سأكتفي هنا بتسجيل بعض الملاحظات:
’’التقرير غير مسبوق، والتجربة غير مسبوقة في العالم العربي، برغم تفشي مظاهر انتهاك حقوق الإنسان في جميع الدول والمجتمعات العربية من دون استثناء، وهذه نقطة تسجل للمغرب ومسارات تحوله الديمقراطي، وهي خطوة ما كانت ممكنة لولا التقدم الكبير الذي يسجله البلد الشقيق على هذا الطريق.
’’قيمة هذا التقرير وتلك المبادرة، لا ينتقص منها على الإطلاق، بقاء بعض ملفات التحقيق عالقة ومغلقة، أو عدم تمتع اللجنة بصفة قضائية، أو ربما عدم تحميلها ’’المستوى السياسي’’ القسط الذي يستحق من المسؤولية عن الانتهاكات، كما يرى المتحفظون على الخطوة أو المشككون بجدواها، فالمبادرة جريئة ابتداءَ والتقرير حافل بالمعطيات والتحقيقات الأكثر جرأة.
’’البحث عن الحقيقة وتوخي الإنصاف والعدالة، ليس نوعا من ’’النبش في الماضي’’ أو ’’نشرا للغسيل القذر’’ أو ’’فتنة يراد وأدها في المهد’’، كما قال ويقول المتحفظون، بل هو تأسيس لمستقبل لا تتكرر فيه مثل هذه الانتهاكات، وضمانة لعدم الرجوع إلى الوراء، وتعميما لثقافة عدم الإفلات من العقاب...هو تطلع للمستقبل لا تصفية حساب مع الماضي.
’’قد يقال بأن المغرب وجد نفسه مضطرا لإطلاق مثل هذه المبادرة، بالنظر لفداحة الانتهاكات التي شهدها سيما في ستينيات وسبعينيات القرن الفائت، لكنني أعتقد أن دولا ومجتمعات عربية أخرى، هي أشد حاجة واضطرارا لهذا المقياس، لمبادرات من هذا النوع، أما الدول والمجتمعات التي تعتقد أنها شهدت انتهاكات أقل حدة لحقوق إنسانها، فلا ضير عليها إن هي راجعت وحققت في هذه المخالفات والانتهاكات، طالما أنها ليست من النوع المستعصي على التسوية و’’الجبر’’ والإنصاف.
المغرب في سنواته الأخيرة، يقدم أنموذجا متطورا في ميادين إصلاحية عدة، ليست هذه الهيئة سوى واحدة من تجليات هذا الأنموذج، وهناك أيضا تجربة التناوب على السلطة، والتعددية السياسية والحزبية النشطة، ومدونة الأسرة الجريئة في تعاملها مع ’’النص الديني’’، وهناك أيضا تجربة العدالة والتنمية، الحزب الذي ترشحه مختلف التقديرات لتشكيل الحكومة بعد انتخابات ،2007 إلى غير ذلك مما يمكن لنا أن نتعلمه ونفيد منه، فهل نحن فاعلون ؟!.

ف والإنصاف بتارودانت يستنكر قيام الضابطة القضائية باعتقال الطالب عثمان الزبير

أقدمت الضابطة القضائية خلال فجر اليوم الاثنين 04/02/2013 بالقرب من مسجد أبي بكر الصديق بحي سيدي بلقاس بتارودانت على اعتقال عثمان الزبير من مواليد 1986 بتارودانت، طالب يدرس بالسنة الثانية تخصص العلوم الشرعية بجامعة القرويين بفاس، بناء على أمر من النيابة العامة بمحكمة الاستئناف بفاس على خلفية الأحداث التي عرفتها الجامعة في الأيام الماضية، خاصة أن الطالب المعتقل عضو داخل الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، و حسب المعلومات المتوصل بها فسيتم نقله و الاستماع إليه و تقديمه أمام وكيل الملك بمدينة فاس.
و انطلاقا من المرجعية الكونية التي نعتمدها خاصة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته 9، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية في مادته 9، و ما نص عليه الدستور في المادتين 23 و29.
فإننا في فضاء المواطنة و الإنصاف، نعلن للرأي العام ما يلي:
• إدانتنا الشديدة لأساليب القمع و الترهيب اللذين تنهجهما الحكومة في مواجهة الحركات الإحتجاجية السلمية والتضييق على العمل النقابي و الحقوقي على حد سواء.
• استنكارنا للتراجع الخطير الذي يشهده المغرب في مجال الحقوق و الحريات الأساسية المضمونة دستوريا، و التملص من شعار “دولة الحق و القانون”.
• تضامننا المطلق مع الطالب عثمان الزبير و دعمنا اللامحدود لعائلته.
• مطالبتنا المسؤولين عامة و وزير العدل على وجه الخصوص للإطلاق الفوري لسراحه، مع التأكيد على ضرورة ضمان محاكمة عادلة له ولزملائه الطلبة.
• استعدادنا الدائم لدعم و مؤازرة كافة المتضررات و المتضررين ضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان على كل المستويات، و فضح مرتكبيها.

 
من تطوير: غيتة ناعيم | - |